تفتكر الظروف هى اللى بتصنع الإنسان ؟ أو الإنسان باستطاعته أن يصبح ما يريد مهما كانت الظروف؟
صحيح طبعا و لا ننكر إن الظروف لها تأثير ، لكن ..مين اللى بيحدد نوع التأثير ده؟؟؟
الحقيقة إن علماء التنمية البشرية قالوا كلمتهم فى الموضوع ده، و هى إن
(الظروف لا تغير الإنسان و لكن تظهر ما بداخله)
!!!!!!!!!!!!!
معناه إيه الكلام ده؟؟؟
عارف مثلا لما إنسان يتعرض لموقف صعب فى حياته ، فيجد ناس وقفت بجانبه و ناس ثانية تخلت عنه و ناس ثالثة أصبحت بتإذيه، ساعتها بيقول الكلمة بشكل تلقائى و هى
(الظروف بينت لى الناس على حقيقتهم)
الجملة دى بليغة جدا بالرغم من بساطتها الظاهرية، لإن فعلا الظروف بتوضح معادن الناس و حقائقهم، أهو نفس الوضع ينطبق على كل إنسان بينه و بين نفسه فى ظروف حياته ، إنه هو كماااااااان
(الظروف هتبين له نفسه على حقيقتها)
يعنى مثلا ممكن تلاقى قدامك نماذج لثلاثة أشخاص ، و الثلاثة ظروفهم متشابهه جدا، سواءا كانت فقر أو ظروف اجتماعية صعبة ، أو ..أو ، و مع ذلك تلاقى واحد سرق و نهب و أذى من حوله، و التانى استسلم للوضع و فضل محلك سر و كل ما حد يطلب منه إنه يشغّل تفكيره شوية و يلاقى لنفسه مخرج من الوضع اللى هو فيه ، يقوم يشغّل تفكيره فعلا، و يلاقى لنفسه مخرج فعلا....بس مخرج يطلعه بره النجاح!!! و يؤدى به إنه يتوقف عن التعب و السعى، و عقله بيكون غاية فى الإبداع و هو بيدوّر على الأعذار المختلفة لنفسه علشان يلوم الظروف بدل ما يتحمل مسؤلية حياته . أما الثالث ، فده بيتعب جدا و بيسعى بكل جهده و كل شوية يصطدم بمعوقات فى طريقه ، لكنه بيكمل سعيه و يحاول بأكثر من طريقة علشان يحقق هدفه و يحسّن من وضعه، و فى نفس الوقت بيتقرب أكثر لربنا -سبحانه و تعالى- و يسأله إنه يعينه و يتولى أمره ، لأن عنده ثقة كبيرة فى الله إنه هيوفقه و مش هيضيعه أبدااا ، طالما هو اجتهد و أخذ بالأسباب كاااااملة ، و بالطرق الحلال
يعنى الثلاثة تعرضوا لنفس الظروف و لكن رد فعل كل واحد فيهم اختلف، و رد فعل كل واحد فيهم بيعبر عن شخصيته و أفكاره و معدنه الحقيقى
النموذجين اللى فى البداية، النموذج الأول- للإنسان اللى تسبب فى الأذى لنفسه و لمن حوله- ، و النموذج الثانى -للإنسان اللى استسلم لوضعه و قال خلااااص مفيش فايدة-، الاثنين دول مبدعين جداااااا، أيوة بجد مبدعين ، دى مش غلطة مطبعية و لا سخرية ، هم فعلا مبدعون لأنهم بيبدعوا فى إيجاد الأعذار لأنفسهم علشان يعملوا اللى هم عايزينه سواءا كان أذى للناس، أو استسلام للأمر الواقع
فطريقة الإبداع فى إيجاد الأعذار دى ، ممكن تشبهها بطريقة تفكير شخص ما ، ذهبت أنت إليه و طلبت منه إنه يساعدك فى الشغل مثلا، فلو مش عايز يساعدك أو مكسّل ، فهيبدع فى إيجاد الأعذار بالأحوال المناخية، فلو كنتم فى فصل الشتاء هيقول لك: "إيه ده بس؟ ده احنا فى الشتاء دلوقتى و الدنيا ساقعة و مطرة، و أنا مقدرش اشتغل فى الجو ده"
و لما تروح له فى الربيع ، فهيقول لك: " بقى فيه حد يشتغل فى الربيع و يسيب جمال الطبيعة و الزهور!!!! ، و بعدين ده ساعات بيبقى فيه رياح و الجو بيبقى كله تراب كده ، و مش مناسب للشغل خالص بصراحة"
و لو رحت له فى الصيف هيقول لك: "مش هينفع ، ده الدنيا حر و الشمس حامية و كده ، لأ لأ مش هينفع خاااالص"
و لما تروح له فى الخريف ، هيقول لك: "و بعدين بقىىىى؟؟؟ الجو بتاع ورق الشجر اللى بيقع ده بيضايقنى قوى و بيتعب لى نفسيتى ، و أنا بصراحة ما استحملش الجو ده إطلاقا ، و مش جو مناسب للشغل خالص بصراحة ، أنا مش عارف إنت بتفكر إزاى، إنت مش حاسس بالدنيا فيها إيه؟؟"
على قدر السخرية اللى فى المثال ده ، إلا إنه بيوضح جدااا العملية الذهنية للشخص اللى بيفكر بطريقة الإبداع فى إيجاد الأعذار، فى حين إنه ممكن يوجه إبداعه فى إنه يلاقى لنفسه حل بدل ما يلاقى لنفسه عذر، لأن اللى بيفكر بطريقة الإبداع فى إيجاد الأعذار ، هيفضل قاعد مستنى ظروف تفصيل زى ما هو عايزها، فيبقى كإنه منتظر فصل خامس وهمى من فصول السنة، فغالبا هيفضل منتظر كثييييييير ، لأن لو فضل بنفس طريقة تفكيره، فمهما اتغيرت الظروف من حوله ، هيفضل بررررضه يبدع فى إيجاد الأعذار لنفسه
أما اللى بيفكر بطريقة الإبداع فى إيجاد الحلول فهيفكر فى اتجاهين،
الإتجاه الأول ، إن فى أى ظرف يتعرض له هيجد ميزة يقدر يستخدمها لصالحه
الإتجاه الثانى، هو إنه يجد وسيلة علشان صعوبات الظرف ده لا تمنعه من تحقيق هدفه
و يوجد مثال بسيط و طريف عن شخص استخدم الطريقتين معا، شاهدت مرة إحدى البرامج الأجنبية عن الأفراح اللى حدث فيها أحداث غير تقليدية، و عرض فى إحدى حلقاته فرح تم إقامته فى حديقة مفتوحة و بالنهار - زى العديد من الأفراح الأمريكية- و كان الجو جميل جدا و صحو ، و كان فى ولاية أمريكية معروف عنها إنها ولاية مشمسة و ناااادرا ما تمطر، و لكن...على غير المتوقع و فى أثناء الفرح ، هبت رياح قوية جدااا قلبت الترابيزات على الناس و وقّعت الأعمدة ، و مش بس كده، ده بعد وقت قليل جدا بدأت تمطر ثلوج!!!!!!، و طبعا أطباق الأكل وقعت على هدوم المعازيم و فستان العروسة اتبهدل ، و الوضع كله أصبح فى منتهى الفوضى، و العروسة بدأت فى البكاء و أصدقاء العريس سخروا منه و قالوا له إنه مشؤوم و حظه سىء، و إن الزيجة دى باين عليها فاشلة من البداية، و ده طبعا غير ردود فعل المعازيم
تخيل احساس و رد فعل العريس و العروسة فى موقف زى ده هيكون عامل إزاااى؟؟؟
و لكن..العريس فكر إنه، إما هيستسلم للظروف و للشعور بالتعاسة يوم زفافه، أو إنه يستخدم الظروف لمصلحته، و يجد وسيلة لإتمام زفافه بفرحة و سرور، و ده اللى عمله فعلا ،........... فأدرك ميزة إن يكون فرحه وسط الثلوج، و بما إن هدوم المعازيم كده كده متبهدله، فتعاون مع أصدقائه و قاموا بتجهيز مساحة وسط الثلوج، و عملوا سباق تزحلق و انزلاق على الثلوج اللى فى الأرض، ..و شوية و انضم لهم المعازيم ، و بدؤا كل المعازيم و العريس و العروسة يعملوا كور ثلجية و يحدفوا بعض بيها ،و يجروا ،و يلعبوا ،و يقعوا على الأرض، و يضحكوا ،و يحدفوا بعض بالأكل اللى وقع ،و يستمتعوا بوقتهم كإنهم فى رحلة، و تغير الحال تماماااا و أصبح الفرح كإنه مدينة ملاهى
فطريقة التفكير وجّهت العريس إنه يتأقلم مع الظروف و يستخدمها لمصلحته، فهو بكده عمل زى المثل الرااااائع اللى بيقول
(لا تلعن الطقس و لكن ارتدى الزى المناسب)
وبالنسبة لتطبيق ده على مستوى مواقف أوسع و أشمل ، فلما تبقى طريقة تفكيرك فى اتجاه أن تستخدم ظروفك لصالحك، فيبقى كده زى طريقة تفكير الإمام ابن تيمية - رحمه الله- لما كان بيقول
" ماذا يفعل بى أعدائى؟ فقتلى شهادة ، و سجنى خلوة، و نفيى سياحة"
يعنى لسان حاله بيقول إن أى ظرف هتضعونى فيه ، هاستخدمه لمصلحتى، لو قتلتونى، يبقى هاموت شهيد، و لو سجنتونى ، أهى خلوة مع الله -عز وجل- و فرصة للعبادة و التأمل ، و لو قمتم بنفيى و أخرجتمونى برة البلد ، أهى ترفيه و سياحة لى
يعنى مهما يفعلوا معه، برررررضه هيستخدم الظروف لصالحه
فكّر كده بنفس الطريقة دى على ظروفك و شوف إحساسك و رد فعلك هيختلف قد إيه
طيب و طريقة الاتجاه الثانى، إن الإنسان لا يجعل الظروف تمنعه من تحقيق هدفه؟، و يجتهد لإيجاد وسيلة لتحقيق ما يريد، شوف هنا طريقة التفكير المبدع لإيجاد الحلول، ففى موقف حقيقى حصل لطالب علم عايز يروح يتعلم من عالِم معين، لكن العالِم ده موجود فى بلد بعيدة، فقرر الطالب إن حاجز المسافة مش هيمنعه، و أخذ المسافة سيرا على الأقدام من أسبانيا للعراق، و بعد ما أخيرا وصل للبلد اللى فيها العالِم اتصدم...اتصدم بإيه؟؟؟
بإن العالِم مسجون فى بيته و غير مسموح له إنه يعلم الناس
!!!!!!!!!!!!!!!!
فطبعا كان صدمة لطالب العلم بعد ما سافر المسافة دى كلها، و لو توقف فى سعيه هنا و قال إنه سعى و اجتهد و سافر و لكنه صدم بالواقع، فغالبا لم يكن ليلومه أحد، و كانوا هيقولوا إنه عمل اللى عليه و زيادة
و لكن هو لإن بداخله رغبة حقيقية و عايز بجد يوصل لهدفه مهما كانت الظروف، ففكر بطريقة الإبداع فى إيجاد الحلول
و توصل فعلا لحل مبدع، و هو ...إنه يمر على بيت العالِم كل يوم و لو لدقائق معدودة و هو متنكر فى هيئة شحات!!!!، فيتنكر فى هذه الهيئة و يعدى جنب بيت العالم كل يوم و هو ينادى كما ينادى المتسولون، فيدخِلُه العالِم إلى بيته لمدة دقائق معدودة يستثمرها الطالب ليعرف منه و لو القليل من العلم
كلللل ده علشان يوصل لهدفه مهما كانت الظروف، و فعلا تعلم هذا الطالب ، و كان تلميذا نجيبا، و هذا الطالب هو (بقى بن مخلد الأندلسى) و العالِم هو الإمام الجليل أحمد بن حنبل
و الأمثلة دى على سبيل المثال فقط ، لا الحصر، و قصص الناجحين مليييييئة بمواقف من هذه النوعية ، و من أكثر الحاجات اللى تساعدك - بإذن الله -على أن توجّه طريقة تفكيرك فى ظروفك بشكل يساعدك على النجاح، هى قراءة قصص حياة الناجحين ، و كيف كانت ظروفهم غاية فى الصعوبة و مع ذلك نجحوا و تفوقوا و حققوا أهدافهم
و كما ذكرت فى مقالة سابقة لى، إن ربنا -سبحانه و تعالى- قال فى سورة البقرة
"لا يُكلّف الله نَفسًا إلا وُسْعَها لَها مَا كَسَبت و عَلَيْها ما اكتَسَبَت"
صدق الله العظيم
يعنى ربنا -سبحانه و تعالى - مش هيكلفك غير بما تقدر عليه، فطالما إن ربنا وضع فى طريقك ظروف معينة، فتأكد إنك بطريقة أو بأخرى تقدر تستخدم الظروف دى لصالحك أو تتغلب عليها وبالطرق الحلال، فحتى لو الظروف اللى حواليك ممكن تكون مش بإيدك، لكن رد فعلك أنت تجاه الظروف دى ، فى إيدك و هتتحاسب على رد فعلك ده ، و لك ما لك ، و عليك ما عليك
فاستعن بالله و خذ بالأسباب كاملة و لا تبدع فى إيجاد الأعذار ، و ابدع فى توظيف الظروف لصالحك و فى إيجاد الحلول التى تساعدك فى تحقيق أهدافك ، و لا تضيع حياتك فى انتظار وَهْم...وَهْم الفصل الخامس
=======================
التحديث