Thursday 28 January 2010

وَهْم الفصل الخامس


تفتكر الظروف هى اللى بتصنع الإنسان ؟ أو الإنسان باستطاعته أن يصبح ما يريد مهما كانت الظروف؟

صحيح طبعا و لا ننكر إن الظروف لها تأثير ، لكن ..مين اللى بيحدد نوع التأثير ده؟؟؟

الحقيقة إن علماء التنمية البشرية قالوا كلمتهم فى الموضوع ده، و هى إن

(الظروف لا تغير الإنسان و لكن تظهر ما بداخله)

!!!!!!!!!!!!!

معناه إيه الكلام ده؟؟؟

عارف مثلا لما إنسان يتعرض لموقف صعب فى حياته ، فيجد ناس وقفت بجانبه و ناس ثانية تخلت عنه و ناس ثالثة أصبحت بتإذيه، ساعتها بيقول الكلمة بشكل تلقائى و هى

(الظروف بينت لى الناس على حقيقتهم)

الجملة دى بليغة جدا بالرغم من بساطتها الظاهرية، لإن فعلا الظروف بتوضح معادن الناس و حقائقهم، أهو نفس الوضع ينطبق على كل إنسان بينه و بين نفسه فى ظروف حياته ، إنه هو كماااااااان

(الظروف هتبين له نفسه على حقيقتها)

يعنى مثلا ممكن تلاقى قدامك نماذج لثلاثة أشخاص ، و الثلاثة ظروفهم متشابهه جدا، سواءا كانت فقر أو ظروف اجتماعية صعبة ، أو ..أو ، و مع ذلك تلاقى واحد سرق و نهب و أذى من حوله، و التانى استسلم للوضع و فضل محلك سر و كل ما حد يطلب منه إنه يشغّل تفكيره شوية و يلاقى لنفسه مخرج من الوضع اللى هو فيه ، يقوم يشغّل تفكيره فعلا، و يلاقى لنفسه مخرج فعلا....بس مخرج يطلعه بره النجاح!!! و يؤدى به إنه يتوقف عن التعب و السعى، و عقله بيكون غاية فى الإبداع و هو بيدوّر على الأعذار المختلفة لنفسه علشان يلوم الظروف بدل ما يتحمل مسؤلية حياته . أما الثالث ، فده بيتعب جدا و بيسعى بكل جهده و كل شوية يصطدم بمعوقات فى طريقه ، لكنه بيكمل سعيه و يحاول بأكثر من طريقة علشان يحقق هدفه و يحسّن من وضعه، و فى نفس الوقت بيتقرب أكثر لربنا -سبحانه و تعالى- و يسأله إنه يعينه و يتولى أمره ، لأن عنده ثقة كبيرة فى الله إنه هيوفقه و مش هيضيعه أبدااا ، طالما هو اجتهد و أخذ بالأسباب كاااااملة ، و بالطرق الحلال

يعنى الثلاثة تعرضوا لنفس الظروف و لكن رد فعل كل واحد فيهم اختلف، و رد فعل كل واحد فيهم بيعبر عن شخصيته و أفكاره و معدنه الحقيقى

النموذجين اللى فى البداية، النموذج الأول- للإنسان اللى تسبب فى الأذى لنفسه و لمن حوله- ، و النموذج الثانى -للإنسان اللى استسلم لوضعه و قال خلااااص مفيش فايدة-، الاثنين دول مبدعين جداااااا، أيوة بجد مبدعين ، دى مش غلطة مطبعية و لا سخرية ، هم فعلا مبدعون لأنهم بيبدعوا فى إيجاد الأعذار لأنفسهم علشان يعملوا اللى هم عايزينه سواءا كان أذى للناس، أو استسلام للأمر الواقع

فطريقة الإبداع فى إيجاد الأعذار دى ، ممكن تشبهها بطريقة تفكير شخص ما ، ذهبت أنت إليه و طلبت منه إنه يساعدك فى الشغل مثلا، فلو مش عايز يساعدك أو مكسّل ، فهيبدع فى إيجاد الأعذار بالأحوال المناخية، فلو كنتم فى فصل الشتاء هيقول لك: "إيه ده بس؟ ده احنا فى الشتاء دلوقتى و الدنيا ساقعة و مطرة، و أنا مقدرش اشتغل فى الجو ده"

و لما تروح له فى الربيع ، فهيقول لك: " بقى فيه حد يشتغل فى الربيع و يسيب جمال الطبيعة و الزهور!!!! ، و بعدين ده ساعات بيبقى فيه رياح و الجو بيبقى كله تراب كده ، و مش مناسب للشغل خالص بصراحة"

و لو رحت له فى الصيف هيقول لك: "مش هينفع ، ده الدنيا حر و الشمس حامية و كده ، لأ لأ مش هينفع خاااالص"

و لما تروح له فى الخريف ، هيقول لك: "و بعدين بقىىىى؟؟؟ الجو بتاع ورق الشجر اللى بيقع ده بيضايقنى قوى و بيتعب لى نفسيتى ، و أنا بصراحة ما استحملش الجو ده إطلاقا ، و مش جو مناسب للشغل خالص بصراحة ، أنا مش عارف إنت بتفكر إزاى، إنت مش حاسس بالدنيا فيها إيه؟؟"

على قدر السخرية اللى فى المثال ده ، إلا إنه بيوضح جدااا العملية الذهنية للشخص اللى بيفكر بطريقة الإبداع فى إيجاد الأعذار، فى حين إنه ممكن يوجه إبداعه فى إنه يلاقى لنفسه حل بدل ما يلاقى لنفسه عذر، لأن اللى بيفكر بطريقة الإبداع فى إيجاد الأعذار ، هيفضل قاعد مستنى ظروف تفصيل زى ما هو عايزها، فيبقى كإنه منتظر فصل خامس وهمى من فصول السنة، فغالبا هيفضل منتظر كثييييييير ، لأن لو فضل بنفس طريقة تفكيره، فمهما اتغيرت الظروف من حوله ، هيفضل بررررضه يبدع فى إيجاد الأعذار لنفسه


أما اللى بيفكر بطريقة الإبداع فى إيجاد الحلول فهيفكر فى اتجاهين،

الإتجاه الأول ، إن فى أى ظرف يتعرض له هيجد ميزة يقدر يستخدمها لصالحه

الإتجاه الثانى، هو إنه يجد وسيلة علشان صعوبات الظرف ده لا تمنعه من تحقيق هدفه


و يوجد مثال بسيط و طريف عن شخص استخدم الطريقتين معا، شاهدت مرة إحدى البرامج الأجنبية عن الأفراح اللى حدث فيها أحداث غير تقليدية، و عرض فى إحدى حلقاته فرح تم إقامته فى حديقة مفتوحة و بالنهار - زى العديد من الأفراح الأمريكية- و كان الجو جميل جدا و صحو ، و كان فى ولاية أمريكية معروف عنها إنها ولاية مشمسة و ناااادرا ما تمطر، و لكن...على غير المتوقع و فى أثناء الفرح ، هبت رياح قوية جدااا قلبت الترابيزات على الناس و وقّعت الأعمدة ، و مش بس كده، ده بعد وقت قليل جدا بدأت تمطر ثلوج!!!!!!، و طبعا أطباق الأكل وقعت على هدوم المعازيم و فستان العروسة اتبهدل ، و الوضع كله أصبح فى منتهى الفوضى، و العروسة بدأت فى البكاء و أصدقاء العريس سخروا منه و قالوا له إنه مشؤوم و حظه سىء، و إن الزيجة دى باين عليها فاشلة من البداية، و ده طبعا غير ردود فعل المعازيم


تخيل احساس و رد فعل العريس و العروسة فى موقف زى ده هيكون عامل إزاااى؟؟؟


و لكن..العريس فكر إنه، إما هيستسلم للظروف و للشعور بالتعاسة يوم زفافه، أو إنه يستخدم الظروف لمصلحته، و يجد وسيلة لإتمام زفافه بفرحة و سرور، و ده اللى عمله فعلا ،........... فأدرك ميزة إن يكون فرحه وسط الثلوج، و بما إن هدوم المعازيم كده كده متبهدله، فتعاون مع أصدقائه و قاموا بتجهيز مساحة وسط الثلوج، و عملوا سباق تزحلق و انزلاق على الثلوج اللى فى الأرض، ..و شوية و انضم لهم المعازيم ، و بدؤا كل المعازيم و العريس و العروسة يعملوا كور ثلجية و يحدفوا بعض بيها ،و يجروا ،و يلعبوا ،و يقعوا على الأرض، و يضحكوا ،و يحدفوا بعض بالأكل اللى وقع ،و يستمتعوا بوقتهم كإنهم فى رحلة، و تغير الحال تماماااا و أصبح الفرح كإنه مدينة ملاهى


فطريقة التفكير وجّهت العريس إنه يتأقلم مع الظروف و يستخدمها لمصلحته، فهو بكده عمل زى المثل الرااااائع اللى بيقول

(لا تلعن الطقس و لكن ارتدى الزى المناسب)


وبالنسبة لتطبيق ده على مستوى مواقف أوسع و أشمل ، فلما تبقى طريقة تفكيرك فى اتجاه أن تستخدم ظروفك لصالحك، فيبقى كده زى طريقة تفكير الإمام ابن تيمية - رحمه الله- لما كان بيقول

" ماذا يفعل بى أعدائى؟ فقتلى شهادة ، و سجنى خلوة، و نفيى سياحة"

يعنى لسان حاله بيقول إن أى ظرف هتضعونى فيه ، هاستخدمه لمصلحتى، لو قتلتونى، يبقى هاموت شهيد، و لو سجنتونى ، أهى خلوة مع الله -عز وجل- و فرصة للعبادة و التأمل ، و لو قمتم بنفيى و أخرجتمونى برة البلد ، أهى ترفيه و سياحة لى

يعنى مهما يفعلوا معه، برررررضه هيستخدم الظروف لصالحه


فكّر كده بنفس الطريقة دى على ظروفك و شوف إحساسك و رد فعلك هيختلف قد إيه


طيب و طريقة الاتجاه الثانى، إن الإنسان لا يجعل الظروف تمنعه من تحقيق هدفه؟، و يجتهد لإيجاد وسيلة لتحقيق ما يريد، شوف هنا طريقة التفكير المبدع لإيجاد الحلول، ففى موقف حقيقى حصل لطالب علم عايز يروح يتعلم من عالِم معين، لكن العالِم ده موجود فى بلد بعيدة، فقرر الطالب إن حاجز المسافة مش هيمنعه، و أخذ المسافة سيرا على الأقدام من أسبانيا للعراق، و بعد ما أخيرا وصل للبلد اللى فيها العالِم اتصدم...اتصدم بإيه؟؟؟

بإن العالِم مسجون فى بيته و غير مسموح له إنه يعلم الناس

!!!!!!!!!!!!!!!!

فطبعا كان صدمة لطالب العلم بعد ما سافر المسافة دى كلها، و لو توقف فى سعيه هنا و قال إنه سعى و اجتهد و سافر و لكنه صدم بالواقع، فغالبا لم يكن ليلومه أحد، و كانوا هيقولوا إنه عمل اللى عليه و زيادة

و لكن هو لإن بداخله رغبة حقيقية و عايز بجد يوصل لهدفه مهما كانت الظروف، ففكر بطريقة الإبداع فى إيجاد الحلول

و توصل فعلا لحل مبدع، و هو ...إنه يمر على بيت العالِم كل يوم و لو لدقائق معدودة و هو متنكر فى هيئة شحات!!!!، فيتنكر فى هذه الهيئة و يعدى جنب بيت العالم كل يوم و هو ينادى كما ينادى المتسولون، فيدخِلُه العالِم إلى بيته لمدة دقائق معدودة يستثمرها الطالب ليعرف منه و لو القليل من العلم

كلللل ده علشان يوصل لهدفه مهما كانت الظروف، و فعلا تعلم هذا الطالب ، و كان تلميذا نجيبا، و هذا الطالب هو (بقى بن مخلد الأندلسى) و العالِم هو الإمام الجليل أحمد بن حنبل
و الأمثلة دى على سبيل المثال فقط ، لا الحصر، و قصص الناجحين مليييييئة بمواقف من هذه النوعية ، و من أكثر الحاجات اللى تساعدك - بإذن الله -على أن توجّه طريقة تفكيرك فى ظروفك بشكل يساعدك على النجاح، هى قراءة قصص حياة الناجحين ، و كيف كانت ظروفهم غاية فى الصعوبة و مع ذلك نجحوا و تفوقوا و حققوا أهدافهم

و كما ذكرت فى مقالة سابقة لى، إن ربنا -سبحانه و تعالى- قال فى سورة البقرة
"لا يُكلّف الله نَفسًا إلا وُسْعَها لَها مَا كَسَبت و عَلَيْها ما اكتَسَبَت"
صدق الله العظيم
يعنى ربنا -سبحانه و تعالى - مش هيكلفك غير بما تقدر عليه، فطالما إن ربنا وضع فى طريقك ظروف معينة، فتأكد إنك بطريقة أو بأخرى تقدر تستخدم الظروف دى لصالحك أو تتغلب عليها وبالطرق الحلال، فحتى لو الظروف اللى حواليك ممكن تكون مش بإيدك، لكن رد فعلك أنت تجاه الظروف دى ، فى إيدك و هتتحاسب على رد فعلك ده ، و لك ما لك ، و عليك ما عليك

فاستعن بالله و خذ بالأسباب كاملة و لا تبدع فى إيجاد الأعذار ، و ابدع فى توظيف الظروف لصالحك و فى إيجاد الحلول التى تساعدك فى تحقيق أهدافك ، و لا تضيع حياتك فى انتظار وَهْم...وَهْم الفصل الخامس
=======================
التحديث

Thursday 14 January 2010

اصنع ( نوبل ) الخاصة بك


" هل انت مقدر نفسك؟"
من ضمن الحاجات المهمة للإنسان ، إنه يشعر بإنه متقدر من الآخرين ، و لكن السؤال الأهم، و قبل ما تكون بتسعى للتقدير من الغير، هو: هل أنت بتقدر نفسك بشكل إيجابى سليم؟؟؟؟
شكل إيجابى سليم إزاى يعنى؟؟؟؟

يعنى مثلا، تكون مش بتقلل من نفسك كل شوية ، و مش بتقول على نفسك صفات سيئة ، و إنك تكون بتقدّر قيمة نفسك و بتشعر إنك بتعمل حاجة مفيدة، مهما كانت الحاجة المفيدة دى صغيرة فى شكلها، و لكنك بيكون عندك ثقة إن لها أثر و عمق فى حياة الآخرين، حتى و لو كان الأثر ده ، مجرد رسم ابتسامة على وجوه الغير. و إن تكون معظم الأعمال اللى بتقوم بها بتاخد فيها نية كبيرة لربنا سبحانه و تعالى، فبتكون طامحا فى الثواب الكبير اللى على قدر نيتك الكبيرة،و لأنك بتعمل كل ده فالنتيجة إنك فى خلال يومك بتكون فى حالة من الإمتنان و الرضا، و بالتالى، بيكون عندك إحساس بالسعادة والثقة بالنفس

أتمنى بجد إنك تكون بتفكر بالطريقة دى، و تكون بتقدّر نفسك بشكل إيجابى ،..مع ذلك ، فأظن إن كثير من الناس مش بيفكروا كده، ده ممكن يكونوا بيفكروا بطريقة عكس كده تماما

طيب إزاى نفكر بالطريقة الإيجابية اللى ذكرناها؟؟؟؟؟؟
أول حاجة لازم تدركها جيدا ، إن الشخص اللى بيفكر فى نفسه بشكل إيجابى صحى و سليم، هو فى حقيقة الامر إنسان نافع للغير ، و لكن على الجانب الآخر ، الشخص اللى بيقلل من نفسه بشكل كبير، فده بيمارس نوع من أنواع الأنانية

!!!!!!!!!!!!!!!!
نعم.....الأنانية، إزاااى؟؟؟؟؟
ممكن حد يفتكر إن الإنسان لما يبحث عن إيجابياته و يقدّر نفسه ، فده نوع من أنواع الغرور أو التفكير فى النفس الزائد عن اللزوم أو التمركز حول الذات و الأنانية، و علشان كده ،و علشان يثبت لنفسه إنه إنسان معتدل و مش أنانى و لا حاجة ، فبيعدد سلبياته بشكل متكرر و يركز عليها و يضيف عليها كمان ، و مش بعيد يبدأ يقولها للناس، فى حين إن الحقيقة اللى هو مش مدركها إنه هو كده مش معتدل و لا حاجة، ده بالطريقة دى، بيبقى هو اللى متمركز حول ذاته و بيمارس نوع من أنواع الأنانية
فالشخص المغرور متمركز حول ذاته بإنه بيفكر فى نفسه كثير و بيزود من الأنا بتاعته زيادة عن اللزوم، أما بالنسبة للشخص اللى بيقلل من قيمته باستمرار، فهو برضه متمركز حول ذاته ، و بررررضه بيفكر فى نفسه كثير ، و لكنه بيقلل منها زيادة عن اللزوم
ممكن تكون أول مرة تنظر لها بالنظرة دى، إن كلا الشخصين بيتمركزوا حول نفسهم بشكل مبالغ فيه، و لكن واحد بالزيادة قوى ، و التانى بالناقص قوى.
و يمكن كثير من الناس بتتجه للتركيز على سلبياتها ، ظنا منهم إن دى حاجة كويسة وصفة جميلة، و إنهم كده فى الأمان و بعيدين كل البعد عن الأنانية و عن التمركز حول الذات، و كمان لإن المجتمع و المفاهيم الموجودة بتساعد على حاجة زى كده، فالنتيجة إنهم بيتجهوا للسلوك ده أكثر، ظنا منهم إنهم كده تمام و فى السليم
!!!!!!!!!!!!!!!!!!

و لكن العكس هو الصحيح، و لما الإنسان يقلل من قيمته باستمرار، فده هيكون تأثيره سلبى جدا على ثقته بنفسه، فتقدر توصف وضع الشخص ده ببساطة
(إنه قلل ثقته بنفسه من كُتر ما فكر فى نفسه)
و النتيجة الطبيعية لكده إنه هيشعر بالضيق و الإحباط



طب وليه ده كله؟؟ انت قادر-بعون الله- على إنك تقدّر نفسك بشكل إيجابى و تستمتع بحياتك بما يرضى الله و بما ينفعك و ينفع غيرك، ....و مع ذلك ممكن حد يكون بيسأل نفسه ( طيب هو هيقدر نفسه ليه ؟ و على إيه؟ ) ، و الإجابة ببساطة......إن يكفى إن ربنا -سبحانه وتعالى- اختارك و اصطفاك أنت لتكون أسمى و أكثر الكائنات تعقيدا و أكثرهم رُقيّا، ربنا -سبحانه و تعالى- اختارك أنت لتكون بشرا، ....أحيانا بنشوف الكائنات الأخرى ، زى نملة أو ذبابة أو أى كائن آخر ، سواءا على الطبيعة أو فى برامج التليفزيون، و بنتعجب من شكله و من طريقة حياته و من عاداته الغذائية، و بننسى إن كان ممكن جدااااااا أى حد من الناس اللى بيتفرجوا دول يكون هو نفسه الكائن الآخر ده ، و ساعتها كان باقى البشر هينظروا لحياته بتعجب، أو يستخدموا حياته لتصوير برنامج تليفزيونى، أو يعملوا عليه تجارب، أو يخترعوا حاجة لقتله و التخلص منه أو أو أو، و لكن بدلا من ذلك كله ، اختارك الله -سبحانه و تعالى- و فضّلك و كرمك بألا تكون أحدا من هذه الكائنات، و بإن تكون المكلّف بخلافة الله فى الأرض، ...أكيد ده له دلالة كبيرة على قيمتك فى الحياة


و لذلك، فتقديرك لنفسك الصحى السليم، هو فى حقيقته هيكون مش نابع من كبر الأنا و من التكبر و العياذ بالله، و لكن هيكون نابع من تقديرك لتكريم ربنا -سبحانه و تعالى- لك ، و شكرك على نِعَمُه عليك التى لا تعد و لا تحصى ، و حينها هتستمد طاقة تقديرك لنفسك من امتنانك لهذا التكريم و من شكرك على هذه النِعَم، و من عدم إنكارك لكل ذلك ، فلا يجوز أبدا أبدا و لا يصح إن الإنسان يقلل من قيمة هذه النعم و هو متصور إنه بالشكل ده يبقى إنسان كويس و متواضع

!!!!!!!!!!!!!!!!

فقد قال الله تعالى فى كتابه الكريم " و لقدْ مَكّناكُم فِى الأَرضٍ و جَعَلنا لَكُم فِيهَا مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُون* و لَقَد خَلقْنَاكُم ثُم صَوّرنَاكُم ثُم قُلنا لِلمَلائكَةِ اسجُدوا لأدَمَ فَسَجَدوا إلا إبليسَ لم يكُن مِنَ السَاجِدين" صدق الله العظيم (سورة الأعراف- آية 10، 11)

شوف تكريم ربنا سبحانه و تعالى لك ، و شوف قوله تعالى ( قليلا ما تشكرون)، فاستشعر عظمة هذا التكريم و كن أنت من الشاكرين ، وكن فى حالة امتنان لنعم الله عليك، و استشعر مسؤليتك تجاه النعم دى و تجاه دورك فى الحياة كإنسان ، وعندها هتشعر بسعادة و راحة نفسية و هتقدر تفيد من حولك و تنجز وتشعر بسعادة الإنجاز، مهما كان الأنجاز ده صغير فى مظهره، طالما إنه شىء حلال

و يوجد الموقف المعروف فى مجال التنمية البشرية عن عاملىّ بناء مشتركين فى بناء نفس المبنى ، و عندما تم توجيه سؤال لأحد العاملين عن طبيعة عمله ، فأجاب بممل إنه لا يفعل شىء سوى وضع و ترتيب بعض الطوب و الأعمدة . و عندما تم توجيه نفس السؤال للعامل آخر، كانت الإجابة مختلفة تماما ، لإنه أجاب باعتزاز وفرحة بإنه بيقوم ببناء صرح عملاق ....... هل لاحظت الفرق؟ كلاهما كان بيعمل نفس العمل و لكن رؤية كل واحد منهما لما يفعله و تقديره لهذا العمل مختلفة ، ليه؟؟؟ لإن الرؤية دى نابعة من تقدير كل واحد لقيمة نفسه ، و بالتالى قيمة اللى نَفسُه دى بتعمله.


وعندما سُإلت سيدة ألمانية عن وظيفتها ، فأجابت بأنها مدرسة رياض أطفال ، و لكن الطريقة السعيدة و الفخورة اللى أجابت بها جعلت السائل يسألها " إنت بتحبى شغلك قوى كده؟" ، فأجابت بكل اعتزاز : " طبعا، أنا بابنى ألمانيا المستقبل" ،

يااااااه ، انظر لرؤيتها لنفسها إنها إنسانة مؤثرة وإن لها بصمتها و أهميتها فى المجتمع ، جعلها تنظر لعمق ما تفعله ، و تقدّر ده بشدة و تدرك إن مستقبل بلدها بيعتمد عليها و على معاملتها لهؤلاء الأطفال. لك إنك تتخيل الفرق بين مدرّسة بتقدر قيمة نفسها و بتنظر لما تفعله على إنها بتبنى مستقبل بلادها ، و أخرى لا تقدر قيمة نفسها و صورتها عن نفسها سلبية و سيئة فبتنظر لعملها على إنها مجرد بتروح المدرسة تدى كام حصة و خلاص،.... و ابدأ بقى تصور و تخيل الصورتين فى كل المهن و كل الفئات، و شوف الفرق

تفتكر مين اللى هينجح أكثر ، مين اللى هيكون أسعد ؟ مين اللى هيؤثر بشكل إيجابى فى من حوله أكثر؟؟؟

أكيد انت عرفت الإجابة، أكيد الشخص اللى مقدر نفسه تقدير إيجابى سليم ، ...و علشان كده هتجد إن تقدير الذات الصحى الإيجابى بعييييييد كل البعد عن فكرة الأنانية و التمحور حول الذات ، ده العكس هو الصحيح ؛ فكل من يقدّر نفسه ، سيقدّر ما يفعله و يرى عمق تأثيره ، و سيجتهد للنجاح ولإفادة الآخرين ، و هيتقن فى عمله لأن عمله الجيد هيكون انعكاس لذاته الجيدة.

و سبحان الله ، من المنظور الإيمانى هنجد إن الإسلام حث على إن كل حاجة نعملها ناخد فيها نية كبيرة لله –سبحانه و تعالى – ، و على قدر كبر النية و على قدر التفكير فى معانى أعمق و تأثير أوسع لما تفعله، كلما كبر ثوابك بسبب كبر نيتك،... و من منظور التنمية البشرية ، هنجد تأثير ده ، إن كلما كان تفكيرك فى معانى أكبر و أعمق لما تفعله ، كلما زاد تقديرك لنفسك و ثقتك فى نفسك و زاد إتقانك لعملك و إفادتك لمن حولك و زاد إنجازك فى الحياة، و الإنجاز ده يعتبر من أكبر القوى المحفزة ، و من أقوى الحاجات اللى بتقضى على الإحباط ، و من أكثر المشاعر التى تبعث على السعادة و الرضا و الثقة بالنفس.


و إذا كان سبق لك محاولات غير ناجحة أو سبق لك أن فعلت أشياء تتضايق أو تخجل منها ، فأنت قادر إنك تغير ده حالا و تقرر من الآن فصاعدا إنك ستتخلى عن أنانية التفكير السىء فى الذات، و هتشجع نفسك ، فممكن الإنسان يتضايق عندما لا يجد تشجيعا من الآخرين و لكن لازم ياخد باله علشان لا يكون هو نفسه واحد من الآخرين دول اللى مش بيشجعوه ،.. و مهما حصل تقدر تقرر إنك تقدر قيمة نفسك و قيمة ما تفعله ، يعنى أى حاجة سيئة هتكون عملتها ،مش هتكون أكثر من ديناميت (ألفريد نوبل)

!!!!!!!!!!!!!!!!


فالعالم الشهير (ألفريد نوبل) مخترع الديناميت ، فى الأصل فكّر فى اختراع الديناميت لتسهيل حفر المناجم ، و لكن اللى لم يكن فى حسبانه إن الديناميت هيستخدم كسلاح فى الحروب و هيستخدم لقتل الآلاف من الناس.

تصور كده فكرة إن واحد ينظر لنفسه كل يوم و يتخيل إنه سبب فى مرض و تشريد و قتل الآلاف من الرجال و النساء والأطفال،.... لدرجة إن إحدى الصحف الفرنسية لقبته بـ ( تاجر الموت) و بأنه ( الشخص الذى أصبح ثريا عن طريق إيجاد أسرع الطرق لقتل الآخرين) ،............ و مع إن استخدام اختراعه استخداما خاطئا ، لم يكن خطؤه هو أو ذنبه هو ، و لكنه شعر بالندم و الضيق الشديد لذلك . كان من الممكن جدا إنه يفكر فى نفسه على إنه إنسان سىء و عالِم مدمر أدى إلى دمار العالم بدلا من إفادته ، و كان ممكن جدا يستسلم للفكرة دى و يدخل فى دوامة الإحباط و هدم و تدمير الذات بالمزيد و المزيد من الأفكار السلبية، لكن هو لم يفعل ذلك ، و لإنه مقدر نفسه صح و عنده صورة إيجابية عن ذاته ، رفض و تمرد على فكرة إن دى تكون آخر حاجة يسيبها للبشرية ، و لا يمكن إن اسمه يقترن بالخراب و الدمار، و علشان كده ، لم يستسلم و قرر يعمل عمل مفيد و سخر ثروته الكبيرة لعمل جائزة (نوبل)؛ ليتم منحها للذين أثروا فى حياة البشر بشكل إيجابى و لتشجيع العلماء من جميع أنحاء العالم على نفع البشرية.

و من خلال تقديره الإيجابى لذاته استطاع إنه يعبّر عن معدنه و جوهره الحقيقى كعالِم يريد الخير و النفع و ليس الدمار و القتل.

و بالنسبة لك ، أيا كانت الأشياء الغير الناجحة أو الغير جيدة التى بدرت منك فى الماضى تجاه نفسك أو تجاه أى أحد – بقصد منك أو بدون قصد- فمش هتكون سببت دمار و أذى قد اللى سببه الديناميت، و من رحمة ربنا سبحانه و تعالى إن أبواب مغفرته و رحمته للناس مفتوحة دائما ، قال تعالى " قُل يَا عِبَادِى الذينَ أسْرَفُوا على أنفُسِهِم لا تقنَطُوا مِن رَحْمَةِ الله إنّ اللهَ يغفِرُ الذّنُوبَ جَمِيعًا إنّهُ هُوُ الغَفُورُ الرحِيم" صدق الله العظيم (سورة الزمر- آية 53)

و اقتران الياء بلفظة عبادى ، يدل على تشريف و تكريم عظيم لك، فتذكر أنك عبدا لله ، و ده فى حد ذاته أكبر قيمة و تشريف ممكن تناله ، فلابد أن تستمد من ذلك قيمتك وأن تقدر ذاتك بشكل إيجابى و تكون فى حالة امتنان و شكر ، فأنت خليفة الله فى الأرض و ربنا سبحانه و تعالى نفخ فيك من روحه ، كما قال تعالى " فَإذا سَوّيتُه و نَفَختُ فيهِ مِن روحِى فَقَعُوا له سَاجِدِين" صدق الله العظيم (سورة ص- آية 72)

و عندما ترى نفسك بأنك قيّم ، فلابد أنك ستفعل ما يعبر عن قيمتك ، و عندها تجتهد و تسعى لإفادة الغير و للنجاح بشكل أكبر و بسعادة أكثر، فمن الآن فصاعدا ،تذكر أنه من الأنانية أن تقلل من قيمة نفسك ، فقدّر نفسك جيدا و فكر فى معانى أكبر لكل ما تفعله ، و اتقن فيه و اجعله خير انعكاس لتقديرك الإيجابى لذاتك


و كما صنع (ألفريد نوبل) جوائز( نوبل) و أفاد الغير ، فافعل انت أيضا ما تعبر به عن تقديرك لنفسك و ما تفيد به غيرك، و اصنع ( نوبل ) الخاصة بك


==================================

معذرة لطول فترة الغياب الماضية و التى افتقدتكم جميعا فيها ، جزاكم الله خيرا على السؤال و الاهتمام ،

بارك الله فيكم جميعا و وفقنا لما يحب و يرضى